سورة الإسراء - تفسير تفسير الشوكاني

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الإسراء)


        


قوله: {قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ ءالِهَةٌ كَمَا تَقُولُونَ}. قرأ ابن كثير، وحفص: {يقولون} بالياء التحتية، وقرأ الباقون بالفوقية على الخطاب للقائلين بأن مع الله آلهة أخرى، وإذن: جواب عن مقالتهم الباطلة وجزاء ل {لو} {لاَّبْتَغَوْاْ إلى ذِى العرش} وهو الله سبحانه. {سَبِيلاً}: طريقاً للمغالبة والممانعة كما تفعل الملوك مع بعضهم البعض من المقاتلة والمصاولة؛ وقيل: معناه إذن لابتغت الآلهة إلى الله القربة والزلفة عنده، لأنهم دونه، والمشركون إنما اعتقدوا أنها تقرّبهم إلى الله. والظاهر المعنى الأول، ومثل معناه قوله سبحانه: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22]. ثم نزه تعالى نفسه، فقال: {سبحانه} والتسبيح: التنزيه، وقد تقدّم، {وتعالى} متباعد {عَمَّا يَقُولُونَ} من الأقوال الشنيعة والفرية العظيمة {عُلُوّاً} أي: تعالياً، ولكنه وضع العلوّ موضع التعالي كقوله: {والله أَنبَتَكُمْ مّنَ الأرض نَبَاتاً} [نوح: 17]. ثم وصف العلوّ بالكبر مبالغة في النزاهة، وتنبيهاً على أن بين الواجب لذاته والممكن لذاته، وبين الغني المطلق، والفقير المطلق، مباينة لا تعقل الزيادة عليها. ثم بين سبحانه جلالة ملكه وعظمة سلطانه فقال: {يُسَبّحُ لَهُ السموات السبع والأرض وَمَن فِيهِنَّ} قرئ بالمثناة التحتية في يسبح، وبالفوقية، وقال: {فيهنّ} بضمير العقلاء لإسناده إليها التسبيح الذي هو فعل العقلاء، وقد أخبر سبحانه عن السموات والأرض بأنها تسبحه، وكذلك من فيها من مخلوقاته الذين لهم عقول وهم الملائكة والإنس والجن وغيرهم من الأشياء التي لا تعقل، ثم زاد ذلك تعميماً وتأكيداً فقال: {وَإِن مّن شَئ إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ} فشمل كل ما يسمى شيئاً كائناً ما كان، وقيل: إنه يحمل قوله: {وَمَن فِيهِنَّ} على الملائكة والثقلين، ويحمل {وَإِن مّن شَئ إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ} على ما عدا ذلك من المخلوقات.
وقد اختلف أهل العلم في هذا العموم هل هو مخصوص أم لا؟ فقالت طائفة: ليس بمخصوص، وحملوا التسبيح على تسبيح الدلالة، لأن كل مخلوق يشهد على نفسه ويدلّ غيره بأن الله خالق قادر. وقالت طائفة: هذا التسبيح على حقيقته والعموم على ظاهره. والمراد أن كل المخلوقات تسبح لله سبحانه هذا التسبيح الذي معناه التنزيه وإن كان البشر لا يسمعون ذلك ولا يفهمونه، ويؤيد هذا قوله سبحانه: {ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} فإنه لو كان المراد تسبيح الدلالة لكان أمراً مفهوماً لكل أحد، وأجيب: بأن المراد بقوله: {لاَّ تَفْقَهُونَ} الكفار الذين يعرضون عن الاعتبار. وقالت طائفة: إن هذا العموم مخصوص بالملائكة والثقلين دون الجمادات، وقيل: خاص بالأجسام النامية فيدخل النباتات، كما روي هذا القول عن عكرمة والحسن وخصا تسبيح النباتات بوقت نموها لا بعد قطعها.
وقد استدلّ لذلك بحديث: «أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ على قبرين...» وفيه: ثم دعا بعسيب رطب فشقه اثنين، وقال:«إنه يخفف عنهما ما لم ييبسا». ويؤيد حمل الآية على العموم قوله: {إِنَّا سَخَّرْنَا الجبال مَعَهُ يُسَبّحْنَ بالعشى والإشراق} [ص: 18]. وقوله: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ الله} [البقرة: 74]. وقوله: {وَتَخِرُّ الجبال هَدّاً} [مريم: 90]، ونحو ذلك من الآيات. وثبت في الصحيح أنهم كانوا يسمعون تسبيح الطعام، وهم يأكلون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا حديث حنين الجذع، وحديث: أن حجراً بمكة كان يسلّم على النبيّ صلى الله عليه وسلم، وكلها في الصحيح، ومن ذلك تسبيح الحصى في كفه صلى الله عليه وسلم، ومدافعة عموم هذه الآية بمجرّد الاستبعادات ليس دأب من يؤمن بالله سبحانه ويؤمن بما جاء من عنده. ومعنى {إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ} إلاّ يسبح متلبساً بحمده {ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}. قرأ الحسن، وأبو عمرو، ويعقوب، وحفص، وحمزة، والكسائي، وخلف: {تسبح} بالمثناة الفوقية على الخطاب، وقرأ الباقون بالتحتية، واختار هذه القراءة أبو عبيدة {إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} فمن حلمه الإمهال لكم وعدم إنزال عقوبته عليكم، ومن مغفرته لكم أنه لا يؤاخذ من تاب منكم. ولما فرغ سبحانه من الإلهيات شرع في ذكر بعض من آيات القرآن وما يقع من سامعيه فقال: {وَإِذَا قَرَأْتَ القرءان جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة حِجَابًا مَّسْتُورًا} جعلنا بينك يا محمد وبين المشركين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً أي: إنهم لإعراضهم عن قراءتك وتغافلهم عنك كمن بينك وبينه حجاب يمرّون بك ولا يرونك، ذكر معناه الزجاج وغيره، ومعنى {مستوراً}: ساتر. قال الأخفش: أراد ساتراً، والفاعل قد يكون في لفظ المفعول كما تقول: إنك لمشئوم وميمون، وإنما هو شائم ويامن؛ وقيل: معنى {مستوراً}: ذا ستر، كقولهم: سيل مفعم: أي: ذو إفعام، وقيل: هو حجاب لا تراه الأعين فهو مستور عنها، وقيل: حجاب من دونه حجاب فهو مستور بغيره، وقيل: المراد بالحجاب: المستور الطبع والختم. {وَجَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} الأكنة: جمع كنان.
وقد تقدّم تفسيره في الأنعام، وقيل: هو حكاية لما كانوا يقولونه، من قولهم: {قُلُوبُنَا غُلْفٌ} [البقرة: 88] {وفي آذننا وقر ومن بينا وبينك حجاب} [فصلت: 5]. و{أَن يَفْقَهُوهُ} مفعول لأجله، أي: كراهة أن يفقهوه، أو لئلا يفقهوه، أي: يفهموا ما فيه من الأوامر والنواهي والحكم والمعاني {وفي آذانهم وقرا} أي: صمماً وثقلاً، وفي الكلام حذف، والتقدير: أن يسمعوه. ومن قبائح المشركين أنهم كانوا يحبون أن يذكر آلهتهم كما يذكر الله سبحانه، فإذا سمعوا ذكر الله دون ذكر آلهتهم نفروا عن المجلس، ولهذا قال الله: {وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده} أي: واحداً غير مشفوع بذكر آلهتهم، فهو مصدر وقع موقع الحال {وَلَّوْاْ على أدبارهم نُفُوراً} هو مصدر، والتقدير: هربوا نفوراً، أو نفروا نفوراً؛ وقيل: جمع نافر كقاعد وقعود.
والأوّل أولى. ويكون المصدر في موضع الحال أي: ولوا نافرين. {نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ} أي: يستمعون إليك متلبسين به من الاستخفاف بك وبالقرآن واللغو في ذكرك لربك وحده، وقيل: الباء زائدة والظرف في {إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} متعلق ب {أعلم} أي: نحن أعلم وقت يستمعون إليك بما يستمعون به، وفيه تأكيد للوعيد، وقوله: {وَإِذْ هُمْ نجوى} متعلق بأعلم أيضاً، أي: ونحن أعلم بما يتناجون به فيما بينهم وقت تناجيهم، وقد كانوا يتناجون بينهم بالتكذيب والاستهزاء، {يقول} بدل من {إذ هم نجوى}. {إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا} أي: يقول كل منهم للآخرين عند تناجيهم: ما تتبعون إلاّ رجلاً سحر فاختلط عقله وزال عن حدّ الاعتدال. قال ابن الأعرابيّ: المسحور الذاهب العقل الذي أفسد، من قولهم: طعام مسحور إذا أفسد عمله، وأرض مسحورة أصابها من المطر أكثر مما ينبغي فأفسدها؛ وقيل: المسحور: المخدوع، لأن السحر حيلة وخديعة، وذلك لأنهم زعموا أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان يتعلم من بعض الناس، وكانوا يخدعونه بذلك التعليم.
وقال أبو عبيدة: معنى {مسحوراً} أن له سحراً، أي: رئة، فهو لا يستغني عن الطعام والشراب فهو مثلكم، وتقول العرب للجبان: قد انتفخ سحره، وكل من كان يأكل من آدمي أو غيره مسحور، ومنه قول امرئ القيس:
أرانا موضعين لأمر غيب *** ونسحر بالطعام وبالشراب
أي: نغذى ونعلل. قال ابن قتيبة: لا أدري ما حمله على هذا التفسير المستكره مع أن السلف فسرّوه بالوجوه الواضحة. {انظر كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأمثال} أي قالوا تارة: إنك كاهن، وتارة ساحر، وتارة شاعر، وتارة مجنون {فضّلواْ} عن طريق الصواب في جميع ذلك {فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً} إلى الهدى أو إلى الطعن الذي تقبله العقول ويقع التصديق له لا أصل الطعن، فقد فعلوا منه ما قدروا عليه؛ وقيل: لا يستطيعون مخرجاً لتناقض كلامهم كقولهم: ساحر مجنون.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إلى ذِى العرش سَبِيلاً} قال: على أن يزيلوا ملكه.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في الأسماء والصفات عن عبد الرحمن بن قرط: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به إلى المسجد الأقصى كان جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره، فطارا به حتى بلغ السموات العلى، فلما رجع قال: «سمعت تسبيحاً من السموات العلى مع تسبيح كثير سبحت السموات العلى من ذي المهابة مشفقات لذي العلوّ بما علا، سبحان العلي الأعلى سبحانه وتعالى»
وأخرج ابن مردويه عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو جالس مع أصحابه إذ سمع هدّة فقال: «أطت السماء ويحقها أن تئط، والذي نفس محمد بيده ما فيها موضع شبر إلاّ فيه جبهة ملك ساجد يسبح بحمده».
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بشيء أمر به نوح ابنه؟ إن نوحاً قال لابنه: يا بني آمرك أن تقول: سبحان الله، فإنها صلاة الخلائق، وتسبيح الخلق، وبها يرزق الخلق» قال الله تعالى: {وَإِن مّن شَئ إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ}.
وأخرج أحمد، وابن مردويه من حديث ابن عمر نحوه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي أمامة قال: ما من عبد سبّح تسبيحة إلاّ سبّح ما خلق الله من شيء، قال الله {وَإِن مّن شَئ إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ} قال ابن كثير: إسناده فيه ضعف.
وأخرج البخاري ومسلم وغيرهم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قرصت نملة نبياً من الأنبياء، فأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحي الله إليه: من أجل نملة واحدة أحرقت أمة من الأمم تسبح».
وأخرج النسائي، وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عمرو قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الضفدع وقال: «نقيقها تسبيح».
وأخرج أبو الشيخ في العظمة، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {وَإِن مّن شَئ إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ} قال: الزرع يسبح وأجره لصاحبه، والثوب يسبح ويقول الوسخ: إن كنت مؤمناً فاغسلني إذن.
وأخرج أبو الشيخ عنه قال: كل شيء يسبح إلاّ الكلب والحمار.
وأخرج ابن راهويه في مسنده من طريق الزهري قال: أتى أبو بكر بغراب وافر الجناحين، فجعل ينشر جناحيه ويقول: ما صِيد من صيدٍ ولا عضد من شجرة إلاّ بما ضيعت من التسبيح.
وأخرجه أحمد في الزهد، وأبو الشيخ عن ميمون بن مهران قال: أتى أبو بكر الصديق فذكره من قوله غير مرفوع.
وأخرجه أبو نعيم في الحلية، وابن مردويه من حديث أبي هريرة بنحوه.
وأخرج ابن مردويه من حديث ابن مسعود بمعنى بعضه.
وأخرج أبو الشيخ من حديث أبي الدرداء بمعناه.
وأخرج ابن عساكر من حديث أبي رهم نحوه.
وأخرج ابن المنذر عن الحسن قال: هذه الآية في التوراة كقدر ألف آية {وَإِن مّن شَئ إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ} قال: في التوراة تسبح له الجبال ويسبح له الشجر، ويسبح له كذا ويسبح له كذا.
وأخرج أحمد، وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: صلى داود ليلة حتى أصبح، فلما أصبح وجد في نفسه سروراً، فنادته ضفدعة: يا داود، كنت أدأب منك قد أغفيت إغفاء.
وأخرج البيهقي في الشعب عن صدقة بن يسار قال: كان داود في محرابه فأبصر دودة صغيرة ففكر في خلقها وقال: ما يعبأ الله بخلق هذه، فأنطقها الله فقالت: يا داود، أتعجبك نفسك، لأنا على قدر ما آتاني الله أذكر لله وأشكر له منك على ما آتاك الله، قال الله: {وَإِن مّن شَئ إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ}. وفي الباب أحاديث وروايات عن السلف فيها التصريح بتسبيح جميع المخلوقات.
وأخرج أبو يعلى، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي عن أسماء بنت أبي بكر قال: لما نزلت: {تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ} [المسد: 1] أقبلت العوراء أم جميل ولها ولولة، وفي يدها فهر وهي تقول:
مذمماً أبينا *** ودينه قلينا وأمره عصينا
ورسول الله جالس وأبو بكر إلى جنبه، فقال أبو بكر: لقد أقبلت هذه وأنا أخاف أن تراك، فقال: إنها لن تراني، وقرأ قرآناً اعتصم به كما قال تعالى: {وَإِذَا قَرَأْتَ القرءان جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة حِجَابًا مَّسْتُورًا} فجاءت حتى قامت على أبي بكر فلم ترَ النبيّ فقالت: يا أبا بكر بلغني أن صاحبك هجاني، فقال أبو بكر: لا وربّ هذا البيت ما هجاك، فانصرفت وهي تقول: قد علمت قريش أني بنت سيدها، وقد رويت هذه القصة بألفاظ مختلفة.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وَإِذَا قَرَأْتَ القرءان جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة حِجَابًا مَّسْتُورًا} قال: الحجاب المستور: أكنة على قلوبهم أن يفقهوه وأن ينتفعوا به، أطاعوا الشيطان فاستحوذ عليهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد في الآية قال: ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ القرآن على المشركين بمكة سمعوا قراءته ولا يرونه.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {وَلَّوْاْ على أدبارهم نُفُوراً} قال: الشياطين.
وأخرج ابن مردويه عنه في قوله: {إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} قال: عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل.


لما فرغ سبحانه من حكاية شبه القوم في النبوّات حكى شبهتهم في أمر المعاد فقال: {وَقَالُواْ أَءذَا كُنَّا عظاما ورفاتا} والاستفهام، للاستنكار والاستبعاد. وتقرير الشبهة: أن الإنسان إذا مات جفت عظامه وتناثرت وتفرقت في جوانب العالم، واختلطت بسائطها بأمثالها من العناصر، فكيف يعقل بعد ذلك اجتماعها بأعيانها، ثم عود الحياة إلى ذلك المجموع، فأجاب سبحانه عنهم بأن إعادة بدن الميت إلى حال الحياة أمر ممكن، ولو فرضتم أن بدنه قد صار أبعد شيء من الحياة ومن رطوبة الحي كالحجارة والحديد، فهو كقول القائل: أتطمع فيّ وأنا ابن فلان؟ فيقول: كن ابن السلطان أو ابن من شئت فسأطلب منك حقي. والرفات: ما تكسر وبلى من كلّ شيء كالفتات والحطام والرضاض، قاله أبو عبيدة، والكسائي، والفراء، والأخفش. تقول منه: رفت الشيء رفتاً، أي: حطم فهو مرفوت. وقيل: الرفات: الغبار، وقيل: التراب {أَءنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً} كرّر الاستفهام الدالّ على الاستنكار والاستبعاد؛ تأكيداً وتقريراً، والعامل في {إذا} هو ما دلّ عليه {لمبعوثون} لا هو نفسه، لأن ما بعد إنّ والهمزة واللام لا يعمل فيما قبلها، والتقدير: {ءإذا كنا عظاماً ورفاتاً} نبعث {ءإنا لمبعوثون} وانتصاب {خلقاً} على المصدرية من غير لفظه، أو على الحال، أي: مخلوقين، و{جديداً} صفة له. {قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً أَوْ خَلْقًا} آخر {مّمَّا يَكْبُرُ فِى صُدُورِكُمْ} قال ابن جرير: معناه: إن عجبتم من إنشاء الله لكم عظاماً ولحماً فكونوا أنتم حجارة أو حديداً إن قدرتم على ذلك، وقال علي بن عيسى: معناه: إنكم لو كنتم حجارة أو حديداً لم تفوتوا الله عزّ وجلّ إذا أرادكم. إلاّ أنه خرج مخرج الأمر لأنه أبلغ في الإلزام؛ وقيل: معناه: لو كنتم حجارة أو حديداً لأعادكم كما بدأكم ولأماتكم ثم أحياكم، قال النحاس: وهذا قول حسن، لأنهم لا يستطيعون أن يكونوا حجارة أو حديداً، وإنما المعنى: أنهم قد أقرّوا بخالقهم وأنكروا البعث، فقيل لهم: استشعروا أن تكونوا ما شئتم، فلو كنتم حجارة أو حديداً لبعثتم كما خلقتم أوّل مرة. قلت: وعلى هذا الوجه قررنا جواب الشبهة قبل هذا. {أَوْ خَلْقًا مّمَّا يَكْبُرُ فِى صُدُورِكُمْ} أي: يعظم عندكم مما هو أكبر من الحجارة والحديد مباينة للحياة فإنكم مبعوثون لا محالة، وقيل: المراد به السموات والأرض والجبال لعظمها في النفوس.
وقال جماعة من الصحابة والتابعين: المراد به الموت، لأنه ليس شيء أكبر في نفس ابن آدم منه. والمعنى: لو كنتم الموت لأماتكم الله ثم بعثكم. ولا يخفى ما في هذا من البعد، فإن معنى الآية: الترقي من الحجارة إلى الحديد، ثم من الحديد إلى ما هو أكبر في صدور القوم منه، والموت نفسه ليس بشيء يعقل ويحسّ حتى يقع الترقي من الحديد إليه {فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا} إذا كنا عظاماً ورفاتاً، أو حجارة أو حديداً مع ما بين الحالتين من التفاوت.
{قُلِ الذى فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} أي: يعيدكم الذي خلقكم واخترعكم عند ابتداء خلقكم من غير مثال سابق ولا صورة متقدّمة {فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءوسِهِمُ} أي: يحركونها استهزاءً، يقال: نغض رأسه ينغض وينغض وينغض نغضاً ونغوضاً أي: تحرك، وأنغض رأسه حركه كالمتعجب، ومنه قول الراجز:
أنغض نحوي رأسه وأقنعا ***
وقول الراجز الآخر:
ونغضت من هرم أسنانها ***
وقال آخر:
لما رأتني أنغضت لي رأسها ***
{وَيَقُولُونَ متى هُوَ} أي: البعث والإعادة استهزاء منهم وسخرية {قُلْ عسى أَن يَكُونَ قَرِيبًا} أي: هو قريب، لأن عسى في كلام الله واجب الوقوع، ومثله {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الساعة تَكُونُ قَرِيباً} [الأحزاب: 63]، وكل ما هو آتٍ قريب {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ} الظرف منتصب بفعل مضمر أي: اذكر، أو بدل من {قريباً} أو التقدير: يوم يدعوكم كان ما كان، الدعاء: النداء إلى المحشر بكلام يسمعه الخلائق، وقيل: هو الصيحة التي تسمعونها، فتكون داعية لهم إلى الاجتماع في أرض المحشر {فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} أي: منقادين له، حامدين لما فعله بكم، فهو في محل نصب على الحال. وقيل: المعنى: فتستجيبون والحمد لله كما قال الشاعر:
وإني بحمد الله لا ثوب فاخر *** لبست ولا من غدرة أتقنع
وقد روي أن الكفار عند خروجهم من قبورهم يقولون: سبحانك وبحمدك؛ وقيل: المراد بالدعاء هنا البعث، وبالاستجابة: أنهم يبعثون، فالمعنى: يوم يبعثكم فتبعثون منقادين {وَتَظُنُّونَ إِن لبثتم إِلاَّ قَلِيلاً} أي: تظنون عند البعث أنكم ما لبثتم في قبوركم إلاّ زمناً قليلاً، وقيل: بين النفختين، وذلك أن العذاب يكف عن المعذبين بين النفختين، وذلك أربعون عاماً ينامون فيها، فلذلك {قَالُواْ مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا} [ياس: 52]، وقيل: إن الدنيا تحقرت في أعينهم وقلّت حين رأوا يوم القيامة، فقالوا هذه المقالة. {وَقُل لّعِبَادِى يَقُولُواْ التى هِىَ أَحْسَنُ} أي قل: يا محمد لعبادي المؤمنين: أن يقولو عند محاورتهم للمشركين الكلمة التي هي أحسن من غيرها من الكلام الحسن كقوله سبحانه: {وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب إِلاَّ بالتى هِىَ أَحْسَنُ} [العنكبوت: 46]. وقوله: {فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيّناً} [طه: 44] لأن المخاشنة لهم ربما تنفرهم عن الإجابة أو تؤدي إلى ما قال سبحانه: {وَلاَ تَسُبُّواْ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله فَيَسُبُّواْ الله عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108]. وهذا كان قبل نزول آية السيف، وقيل: المعنى: قل لهم يأمروا بما أمر الله وينهوا عما نهى عنه، وقيل: هذه الآية للمؤمنين فيما بينهم خاصة، والأوّل أولى كما يشهد به السبب الذي سنذكره إن شاء الله {إِنَّ الشيطان يَنزَغُ بَيْنَهُمْ} أي: بالفساد وإلقاء العداوة والإغراء.
قال اليزيدي: يقال نزغ بيننا أي: أفسد.
وقال غيره: النزغ الإغراء {إِنَّ الشيطان كَانَ للإنسان عَدُوّا مُّبِينًا} أي: متظاهراً بالعداوة مكاشفاً بها، وهو تعليل لما قبله، وقد تقدّم مثل هذا في البقرة. {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذّبْكُمْ} قيل: هذا خطاب للمشركين. والمعنى: إن يشأ يوفقكم للإسلام فيرحمكم أو يميتكم عن الشرك فيعذبكم، وقيل: هو خطاب للمؤمنين أي: {إن يشأ يرحمكم} بأن يحفظكم من الكفار {أو إن يشأ يعذبكم} بتسليطهم عليكم؛ وقيل: إن هذا تفسير لكلمة {التي هي أحسن} {وَمَا أرسلناك عَلَيْهِمْ وَكِيلاً} أي: ما وكلناك في منعهم من الكفر، وقسرهم على الإيمان؛ وقيل: ما جعلناك كفيلاً لهم تؤخذ بهم، ومنه قول الشاعر:
ذكرت أبا أروى فبتّ كأنني *** بردّ الأمور الماضيات وكيل
أي: كفيل. {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِى السموات والارض} أعلم بهم ذاتاً وحالاً واستحقاقاً، وهو أعمّ من قوله: {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ} لأن هذا يشمل كل ما في السموات والأرض من مخلوقاته، وذاك خاص ببني آدم أو ببعضهم، وهذا كالتوطئة لقوله: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النبيين على بَعْضٍ} أي: إن هذا التفضيل عن علم منه بمن هو أعلى رتبة وبمن دونه، وبمن يستحق مزيد الخصوصية بتكثير فضائله وفواضله.
وقد تقدّم هذا في البقرة.
وقد اتخذ الله إبراهيم خليلاً، وموسى كليماً، وجعل عيسى كلمته وروحه، وجعل لسليمان ملكاً عظيماً، وغفر لمحمد ما تقدّم من ذنبه وما تأخر، وجعله سيد ولد آدم. وفي هذه الآية دفع لما كان ينكره الكفار مما يحكيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من ارتفاع درجته عند ربه عزّ وجلّ، ثم ذكر ما فضل به داود، فقال: {وَءاتَيْنَا داود زبورا} أي: كتاباً مزبوراً. قال الزجاج: أي فلا تنكروا تفضيل محمد وإعطاءه القرآن فقد أعطى الله داود زبوراً.
وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ورفاتا} قال: غباراً.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {ورفاتا} قال: تراباً، وفي قوله: {قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً} قال: ما شئتم فكونوا، فسيعيدكم الله كما كنتم.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عمر في قوله: {أَوْ خَلْقًا مّمَّا يَكْبُرُ فِى صُدُورِكُمْ} قال: الموت، لو كنتم موتاً لأحييتكم.
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن جرير، والحاكم عن ابن عباس مثله.
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن الحسن مثله أيضاً.
وأخرج عبد الله بن أحمد، وابن جرير، وابن المنذر عن سعيد بن جبير نحوه، وزاد قال: فكونوا الموت إن استطعتم فإن الموت سيموت.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءوسِهِمُ} قال: سيحركونها استهزاءً.
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله: {وَيَقُولُونَ متى هُوَ} قال: الإعادة.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: {فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} قال: بأمره.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال: يخرجون من قبورهم وهم يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة {فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} قال: بمعرفته وطاعته {وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً} أي: في الدنيا، تحاقرت الدنيا في أنفسهم، وقلّت حين عاينوا يوم القيامة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن سيرين في قوله: {وَقُل لّعِبَادِى يَقُولُواْ التى هِىَ أَحْسَنُ} قال: لا إله إلاّ الله.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في الآية قال: يعفو عن السيئة.
وأخرج ابن جرير عن الحسن قال: يقول له يرحمك الله، يغفر الله لك.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: نزغ الشيطان: تحريشه.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وَءاتَيْنَا دَاوُودُ زَبُوراً} قال: كنا نحدّث أنه دعاء علمه داود، وتحميد وتمجيد لله عزّ وجلّ ليس فيه حلال ولا حرام، ولا فرائض ولا حدود.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال: الزبور: ثناء على الله ودعاء وتسبيح. قلت: الأمر كما قاله قتادة والربيع، فإنا وقفنا على الزبور فوجدناه خطباً يخطبها داود عليه السلام، ويخاطب بها ربه سبحانه عند دخوله الكنيسة، وجملته مائة وخمسون خطبة، كل خطبة تسمى مزموراً بفتح الميم الأولى وسكون الزاي وضم الميم الثاينة وآخره راء، ففي بعض هذه الخطب يشكو داود على ربه من أعدائه ويستنصره عليهم، وفي بعضها يحمد الله ويمجده ويثني عليه بسبب ما وقع من النصر عليهم والغلبة لهم، وكان عند الخطبة يضرب بالقيثارة، وهي آلة من آلات الملاهي.
وقد ذكر السيوطي في الدرّ المنثور ها هنا روايات عن جماعة من السلف يذكرون ألفاظاً وقفوا عليها في الزبور ليس لها كثير فائدة، فقد أغنى عنها وعن غيرها ما اشتمل عليه القرآن من المواعظ والزواجر.


قوله: {قُلِ ادعوا الذين زَعَمْتُم مّن دُونِهِ} هذا ردّ على طائفة من المشركين كانوا يعبدون تماثيل على أنها صور الملائكة، وعلى طائفة من أهل الكتاب كانوا يقولون بإلهية عيسى ومريم وعزير، فأمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يقول لهم: ادعوا الذين زعمتم أنهم آلهة من دون الله؛ وقيل: أراد ب {الذين زعمتم} نفراً من الجن عندهم ناس من العرب، وإنما خصصت الآية بمن ذكرنا لقوله: {يَبْتَغُونَ إلى رَبّهِمُ الوسيلة} فإن هذا لا يليق بالجمادات {فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضر عَنْكُمْ} أي: لا يستطيعون ذلك، والمعبود الحق هو الذي يقدر على كشف الضرّ، وعلى تحويله من حال إلى حال، ومن مكان إلى مكان، فوجب القطع بأن هذه التي تزعمونها آلهة ليست بآلهة، ثم إنه سبحانه أكد عدم اقتدارهم ببيان غاية افتقارهم إلى الله في جلب المنافع ودفع المضارّ، فقال: {أُولَئِكَ الذين يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبّهِمُ الوسيلة} ف {أولئك} مبتدأ {والذين يدعون} صفته، وضمير الصلة محذوف أي: يدعونهم، وخبر المبتدأ: {يبتغون إلى ربهم الوسيلة} ويجوز أن يكون {الذين يدعون} خبر المبتدأ أي: الذين يدعون عباده إلى عبادتهم، ويكون {يبتغون} في محل نصب على الحال. وقرأ ابن مسعود: {تدعون} بالفوقية على الخطاب. وقرأ الباقون بالتحتية على الخبر؛ ولا خلاف في {يبتغون} أنه بالتحتية. و{الوسيلة}: القربة بالطاعة والعبادة أي: يتضرّعون إلى الله في طلب ما يقربهم إلى ربهم، والضمير في ربهم يعود إلى العابدين أو المعبودين {أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} مبتدأ وخبر. قال الزجاج: المعنى أيهم أقرب بالوسيلة إلى الله أي: يتقرّب إليه بالعمل الصالح، ويجوز أن يكون بدلاً من الضمير في {يبتغون} أي: يبتغي من هو أقرب إليه تعالى الوسيلة، فكيف بمن دونه؟ وقيل: إن يبتغون مضمن معنى يحرصون أي: يحرصون أيهم أقرب إليه سبحانه بالطاعة والعبادة {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ} كما يرجوها غيرهم {ويخافون عَذَابَهُ} كما يخافه غيرهم {إِنَّ عَذَابَ رَبّكَ كَانَ مَحْذُورًا} تعليل قوله: {يخافون عذابه} أي: إن عذابه سبحانه حقيق بأن يحذره العباد من الملائكة والأنبياء وغيرهم. ثم بيّن سبحانه مآل الدنيا وأهلها فقال: {وَإِن مّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ القيامة} (أن) نافية، و{من} للاستغراق أي: ما من قرية، أيّ قرية كانت من قرى الكفار. قال الزجاج: أي ما من أهل قرية إلاّ سيهلكون إما بموت وإما بعذاب يستأصلهم، فالمراد بالقرية: أهلها، وإنما قيل: {قبل يوم القيامة} لأن الإهلاك يوم القيامة غير مختص بالقرى الكافرة، بل يعم كل قرية لانقضاء عمر الدنيا؛ وقيل: الإهلاك للصالحة والتعذيب للطالحة، والأوّل أولى لقوله: {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِى القرى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظالمون} [القصص: 59]. {كَانَ ذَلِكَ} المذكور من الإهلاك، والتعذيب {فِى الكتاب} أي: اللوح المحفوظ {مَسْطُورًا} أي: مكتوباً، والسطر الخط وهو في الأصل مصدر، والسطر بالتحريك مثله. قال جرير:
من شاء بايعته مالي وخلعته *** ما يكمل التيم في ديوانهم سطرا
والخلفة بضم الخاء: خيار المال، والسطر: جمع أسطار، وجمع السطر بالسكون أسطر. {وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بالأيات وَلاَ أَن كَذَّبَ بِهَا الأولون} قال المفسرون: إن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهباً وأن ينحي عنهم جبال مكة، فأتاه جبريل فقال: إن شئت كان ما سأل قومك، ولكنهم إن لم يؤمنوا بها يمهلوا وإن شئت استأنيت بهم، فأنزل الله هذه الآية. والمعنى: وما منعنا من إرسال الآيات التي سألوها إلاّ تكذيب الأوّلين، فإن أرسلناها وكذب بها هؤلاء عوجلوا ولم يمهلوا كما هو سنّة الله سبحانه في عباده، فالمنع مستعار للترك، والاستثناء مفرّغ من أعمّ الأشياء، أي: ما تركنا إرسالها لشيء من الأشياء إلاّ تكذيب الأوّلين، فإن كذب بها هؤلاء كما كذب بها أولئك لاشتراكهم في الكفر والعناد حلّ بهم ما حلّ بهم، و(أن) الأولى في محل نصب وبإيقاع المنع عليها، و(أن) الثانية في محل رفع، والباء في {بالآيات} زائدة. والحاصل: أن المانع من إرسال الآيات التي اقترحوها هو أن الاقتراح مع التكذيب موجب للهلاك الكلي وهو الاستئصال، وقد عزمنا على أن نؤخر أمر من بعث إليهم محمد إلى يوم القيامة؛ وقيل: معنى الآية: إن هؤلاء الكفار من قريش ونحوهم مقلدون لآبائهم فلا يؤمنون ألبتة كما لم يؤمن أولئك، فيكون إرسال الآيات ضائعاً، ثم إنه سبحانه استشهد على ما ذكر بقصة صالح وناقته، فإنهم لما اقترحوا عليه ما اقترحوا من الناقة وصفتها التي قد بينت في محل آخر، وأعطاهم الله ما اقترحوا فلم يؤمنوا استؤصلوا بالعذاب. وإنما خصّ قوم صالح بالاستشهاد، لأن آثار إهلاكهم في بلاد العرب قريبة من قريش وأمثالهم يبصرها صادرهم وواردهم فقال: {وآتينا ثمود الناقة مبصرة} أي: ذات إبصار يدركها الناس بأبصارهم كقوله: {وجعلنا آية النهار مبصرة} [الإسراء: 12] أو أسند إليها حال من يشاهدها مجازاً، أو أنها جعلتهم ذوي إبصار، من أبصره جعله بصيراً. وقرئ على صيغة المفعول. وقرئ بفتح الميم والصاد وانتصابها على الحال. وقرئ برفعها على أنها خبر مبتدأ محذوف، والجملة معطوفة على محذوف يقتضيه سياق الكلام أي: فكذبوها وآتينا ثمود الناقة، ومعنى {فَظَلَمُواْ بِهَا} فظلموا بتكذيبها أو على تضمين ظلموا معنى جحدوا أو كفروا أي: فجحدوا بها أو كفروا بها ظالمين ولم يكتفوا بمجرد الكفر أو الجحد {وَمَا نُرْسِلُ بالأيات إِلاَّ تَخْوِيفًا} اختلف في تفسير {بالآيات} على وجوه: الأوّل: أن المراد بها العبر والمعجزات التي جعلها الله على أيدي الرسل من دلائل الإنذار تخويفاً للمكذبين؛ الثاني: أنها آيات الانتقام تخويفاً من المعاصي؛ الثالث: تقلب الأحوال من صغر إلى شباب ثم إلى تكهل ثم إلى شيب، ليعتبر الإنسان بتقلب أحواله فيخاف عاقبة أمره؛ الرابع آيات القرآن، الخامس: الموت الذريع، والمناسب للمقام أن تفسر الآيات المذكورة بالآيات المقترحة، أي: لا نرسل الآيات المقترحة إلا تخويفاً من نزول العذاب، فإن لم يخافوا وقع عليهم.
والجملة مستأنفة لا محل لها، ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال من ضمير ظلموا بها أي: فظلموا بها، ولم يخافوا، والحال أنّ ما نرسل بالآيات التي هي من جملتها إلاّ تخويفاً. قال ابن قتيبة: وما نرسل بالآيات المقترحة إلاّ تخويفاً من نزول العذاب العاجل. ولما ذكر سبحانه الامتناع من إرسال الآيات المقترحة على رسوله للصارف المذكور، قوي قلبه بوعد النصر والغلبة فقال: {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بالناس} الظرف متعلق بمحذوف، أي: اذكر إذ قلنا لك، أي: أنهم في قبضته وتحت قدرته، فلا سبيل لهم إلى الخروج مما يريده بهم لإحاطته لهم بعلمه وقدرته، وقيل: المراد بالناس: أهل مكة، وإحاطته بهم إهلاكه إياههم أي: إن الله سيهلكهم، وعبر بالماضي تنبيهاً على تحقق وقوعه، وذلك كما وقع يوم بدر ويوم الفتح، وقيل: المراد أنه سبحانه عصمه من الناس أن يقتلوه حتى يبلّغ رسالة ربه {وَمَا جَعَلْنَا الرؤيا التى أريناك إِلاَّ فِتْنَةً لّلنَّاسِ} لما بين سبحانه أن إنزال الآيات يتضمن التخويف ضمّ إليه ذكر آية الإسراء، وهي المذكورة في صدر السورة، وسماها رؤيا لأنها وقعت بالليل، أو لأن الكفرة قالوا لعلها رؤيا، وقد قدّمنا في صدر السورة وجهاً آخر في تفسير هذه الرؤيا، وكانت الفتنة ارتداد قوم كانوا أسلموا حين أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسري به، وقيل: كانت رؤيا نوم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أنه يدخل مكة فافتتن المسلمون لذلك، فلما فتح الله مكة نزل قوله تعالى: {لَّقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ الرؤيا بالحق} [الفتح: 27] وقد تعقب هذا بأن هذه الآية مكية، والرؤيا المذكورة كانت بالمدينة، وقيل: إن هذه الرؤيا المذكورة في هذه الآية هي أنه رأى بني مروان ينزون على منبره نزو القردة فساءه ذلك، فقيل: إنما هي الدنيا أعطوها فسرّي عنه، وفيه ضعف، فإنه لا فتنة للناس في هذه الرؤيا إلاّ أن يراد بالناس رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده، ويراد بالفتنة ما حصل من المساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يحمل على أنه قد كان أخبر الناس بها فافتتنوا، وقيل: إن الله سبحانه أراه في المنام مصارع قريش حتى قال: «والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم»، وهو يومئ إلى الأرض ويقول: «هذا مصرع فلان، هذا مصرع فلان» فلما سمع قريش ذلك جعلوا رؤياه سخرية.
{والشجرة الملعونة فِى القرءان} عطف على الرؤيا، قيل: وفي الكلام تقديم وتأخير، والتقدير: وما جعلنا الرؤيا التي أريناك والشجرة الملعونة في القرآن إلاّ فتنة للناس. قال جمهور المفسرين: وهي شجرة الزقوم، والمراد بلعنها لعن آكلها كما قال سبحانه: {إِنَّ شَجَرَةَ الزقوم طَعَامُ الأثيم} [الدخان: 43- 44].
وقال الزجاج: إن العرب تقول: لكل طعام مكروه: ملعون، ومعنى الفتنة فيها: أن أبا جهل وغيره قالوا: زعم صاحبكم أن نار جهنم تحرق الحجر، ثم يقول: ينبت فيها الشجر، فأنزل الله هذه الآية.
وروي أن أبا جهل أمر جارية فأحضرت تمراً وزبداً وقال لأصحابه: تزقموا.
وقال ابن الزبعري: كثر الله من الزقوم في داركم، فإنه التمر بالزبد بلغة اليمن، وقيل: إن الشجرة الملعونة: هي الشجرة التي تلتوي على الشجر فتقتلها، وهي شجرة الكشوث؛ وقيل: هي الشيطان؛ وقيل: اليهود؛ وقيل: بنو أمية {وَنُخَوّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا} أي: نخوّفهم بالآيات فما يزيدهم التخويف إلاّ طغياناً متجاوزاً للحد، متمادياً غاية التمادي، فما يفيدهم إرسال الآيات إلاّ الزيادة في الكفر، فعند ذلك نفعل بهم ما فعلناه بمن قبلهم من الكفار، وهو عذاب الاستئصال، ولكنا قد قضينا بتأخير العقوبة.
وقد أخرج عبد الرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، والبخاري، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وابن مردويه، وأبو نعيم في الدلائل عن ابن مسعود في قوله: {قُلِ ادعوا الذين زَعَمْتُم مّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضر عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً} قال: كان نفر من الإنس يعبدون نفراً من الجن فأسلم النفر من الجنّ وتمسك الإنسيون بعبادتهم، فأنزل الله: {أُولَئِكَ الذين يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبّهِمُ الوسيلة} كلاهما، يعني: الفعلين بالياء التحتية، وروي نحو هذا عن ابن مسعود من طرق أخرى.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال: كان أهل الشرك يعبدون الملائكة والمسيح وعزيراً.
وروي عنه من وجه آخر بلفظ عيسى وأمه وعزير.
وروي عنه أيضاً من وجه آخر بلفظ هم: عيسى وعزير، والشمس والقمر.
وأخرج الترمذي، وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سلوا الله لي الوسيلة، قالوا وما الوسيلة؟ قال القرب من الله، ثم قرأ: {يَبْتَغُونَ إلى رَبّهِمُ الوسيلة أَيُّهُمْ أَقْرَبُ}».
وأخرج ابن أبي حاتم عن إبراهيم التيمي في قوله: {كَانَ ذلك فِى الكتاب مَسْطُورًا} قال: في اللوح المحفوظ.
وأخرج أحمد، والنسائي، والبزار، وابن جرير، وابن المنذر، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل، والضياء في المختارة عن ابن عباس قال: سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم الصفا ذهباً، وأن ينحي عنهم الجبال فيزرعوا، فقيل له: إن شئت أن تستأني بهم وإن شئت أن نؤتيهم الذي سألوا، فإن كفروا أهلكوا كما أهلكت من قبلهم من الأمم، قال: «لا بل أستأني بهم»، فأنزل الله: {وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بالايات} الآية.
وأخرج أحمد، والبيهقي من طريق أخرى عنه نحوه.
وأخرج البيهقي في الدلائل عن الربيع بن أنس قال: قال الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم لو جئتنا بآية كما جاء بها صالح والنبيّون؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن شئتم دعوت الله فأنزلها عليكم، فإن عصيتم هلكتم»، فقالوا: لا نريدها.
وأخرج ابن المنذر، وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس {وَمَا نُرْسِلُ بالآيات إِلاَّ تَخْوِيفًا} قال: الموت.
وأخرج سعيد بن منصور، وأحمد في الزهد، وابن جرير، وابن المنذر عن الحسن قال: هو الموت الذريع.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بالناس} قال: عصمك من الناس.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال: فهم في قبضته.
وأخرج عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وأحمد، والبخاري، والترمذي، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس في قوله: {وَمَا جَعَلْنَا الرءيا} الآية قال: هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به إلى بيت المقدس، وليست برؤيا منام {والشجرة الملعونة فِى القرءان} قال: هي شجرة الزقوم.
وأخرج أبو سعيد، وأبو يعلى، وابن عساكر عن أم هانئ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسري به أصبح يحدّث نفراً من قريش وهم يستهزئون به، فطلبوا منه آية فوصف لهم بيت المقدس، وذكر لهم قصة العير، فقال الوليد بن المغيرة: هذا ساحر، فأنزل الله إليه {وَمَا جَعَلْنَا الرءيا} الآية.
وأخرج ابن جرير عن سهل بن سعد قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني فلان ينزون على منبره نزو القردة فساءه ذلك فما استجمع ضاحكاً حتى مات. فأنزل الله: {وَمَا جَعَلْنَا الرءيا التى أريناك إِلاَّ فِتْنَةً لّلنَّاسِ}. قال ابن كثير بعد أن ساق إسناده: وهذا السند ضعيف جداً. وذكر من جملة رجال السند محمد بن الحسن بن زبالة وهو متروك وشيخه عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد ضعيف جداً.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رأيت ولد الحكم بن أبي العاص على المنابر كأنهم القردة، فأنزل الله: {وَمَا جَعَلْنَا الرءيا التى أريناك إِلاَّ فِتْنَةً لّلنَّاسِ والشجرة الملعونة}» يعني: الحكم وولده.
وأخرج ابن أبي حاتم عن يعلى بن مرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت بني أمية على منابر الأرض وسيملكونكم فتجدونهم أرباب سوء»، واهتمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك، فأنزل الله الآية.
وأخرج ابن مردويه عن الحسين بن عليّ نحوه مرفوعاً وهو مرسل.
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي، وابن عساكر عن سعيد بن المسيب نحوه وهو مرسل.
وأخرج ابن مردويه عن عائشة أنها قالت لمروان بن الحكم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأبيك وجدّك: «إنكم الشجرة الملعونة في القرآن» وفي هذا نكارة، لقولها: يقول لأبيك وجدّك، ولعل جدّ مروان لم يدرك زمن النبوّة.
وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري أنه دخل مكة هو وأصحابه، وهو يومئذٍ بالمدينة فسار إلى مكة قبل الأجل فردّه المشركون، فقال ناس: قد ردّ، وقد كان حدّثنا أنه سيدخلها، فكانت رجعته فتنتهم.
وقد تعارضت هذه الأسباب، ولم يمكن الجمع بينها فالواجب المصير إلى الترجيح، والراجح كثرة وصحة هو كون سبب نزول هذه الآية قصة الإسراء فيتعين ذلك.
وقد حكى ابن كثير إجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك في الرؤيا، وفي تفسير الشجرة وأنها شجرة الزقوم، فلا اعتبار بغيرهم معهم.
وأخرج ابن إسحاق، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن ابن عباس قال: قال أبو جهل لما ذكر رسول الله شجرة الزقوم تخويفاً لهم: يا معشر قريش هل تدرون ما شجرة الزقوم التي يخوفكم بها محمد؟ قالوا لا، قال: عجوة يثرب بالزبد. والله لئن استمكنا منها لنزقمنها تزقماً. قال الله سبحانه: {إِنَّ شَجَرَةَ الزقوم طَعَامُ الأثيم} [الدخان: 43 44]، وأنزل: {والشجرة الملعونة فِى القرءان} الآية.
وأخرج ابن المنذر عنه في قوله: {والشجرة الملعونة} قال: ملعونة لأنه قال: {طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءوسُ الشياطين} [الصافات: 65]. والشياطين ملعونون.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6